الكفيف ما بين الواقع والنظرة المجتمعية الجزء الثاني:



في الجزء الأول توقفنا عند بعض التساؤلات وهذه التساؤلات لكي تضع أمامنا واقع حياة المكفوفين.


هل فكرنا للحظات في من هم المكفوفين؟
الكفيف هو بإختصار شديد وبعيدا عن المصطلحات العلمية والطبية والنفسية: هو الشخص الذي فقد البصر سواء كليا أو جزئيا.
لا أعتبر إعاقة كف البصر إعاقة في الحقيقة لأن كف البصر لا يعوق صاحبه من تأدية عمله ويعيش حياته على أكمل وجه بل أرى أن الكفيف شخص لا يختلف كثيرا عن المبصرين إلا في أشياء بسيطة لو إستطاع أن يستبدلها بما الإتاحات التي من الممكن أن يستخدمها حتى يستطيع أن يكن بشكل ما مثله مثل المبصرين وقد يختلف الكفيف عن المبصر في أشياء مثل النظرات والإنتباهات وحركة العين والإتجاه لمن يتحدث بالعين وهذا لو تم تدريب الكفيف عليه بشكل عملي وجاد فإنك لم تلاحظ ولو للحظة أنه كفيف البصر .


ماذا يفعلون؟
الكفيف في حقيقة الأمر قادر على فعل أي شيء ليس هناك ما يعوق الكفيف عن ممارسة الحياة بشكل طبيعي ومتساوي مع أقرانه من المبصرين ولكن في حقيقة الأمر يحتاج ذلك لأمور عديدة من أهمها على الإطلاق أنه يتقبل كف البصر والقدرة على إستعمال الحواس الأخرى التي تعوض جزء كبير من فقد لحاسة البصر فالكفيف يستطيع أن يفعل كل شيء وأي شيء بدون مبالغة ولكن هذا وفقا لطريقته الخاصة التي يقوم على أساسها هو بالتعامل مع هذه الأشياء وقد ترى حينها ما يدهشك في كيفية تعامل الكفيف مع هذه الأشياء وبطرق مبتكرة من المكفوفين قد لا ترد إلى ذهنك أنت أيها المبصر وبتلك الطرق يستطيع أن يؤدي هذه الأشياء بنفس كفاءة المبصر وقد يتفوق عليه في بعض الأحيان في نفس العمل حقيقة فمثلا عزف الآلات الموسيقية كأقرب مثال المبصر يحتاج إلى أن تكتب أسماء النغمات الموسيقية على مفاتيح تلك الآلات ليفرق بينها ولكن الكفيف يفرق بين نغمات تلك المفاتيح لمجرد صوتها ومثال آخر بالنسبة للكمبيوتر فكثيرا من المبصرين لو لم تكن مفاتيح لوحة المفاتيح مكتوبة أمامه لا يستطيع أن يكتب بسرعة ولكن الكفيف يستخدم ذاكرته في حفظ أماكن الحروف وترتيب الأصابع عليها ويتفوق في كلا المثلين على المبصر الذي يستخدم سواء الآلات الموسيقية أو لوحة المفاتيح بالسرعة وقوة الأداء والمرونة فيهما بعيدا عن عامل لدى المبصرين وهو الرؤية لكي يستخدم تلك الأشياء. هذين مثالين للإيضاح ولكن هناك أمثلة كثيرة لا تعد ولا تحصى في هذه الجزئية.


كيف يتعايشون مع حياتهم؟

يستطيع الكفيف أن يتعايش مع حياته بشكل رائع بحيث يذلل ما يصعب عليه بشكل جيد جدا ويتكيف مع حياته المليئة بالظلام عن طريق أستخدام شيء قد يعجز عن أستخدامه المبصرون وهو الإحساس بالأشياء المحيطة ولكن لكي يتحقق هذا يجب أن يكون الكفيف مستوعب لقدراته وإمكاناته الأخرى الكثيرة التي هي أساس لقدرته على التعايش مع الواقع وبشكل عملي وهذا يتطلب بيئة أسرية تؤمن بهذه الإمكانات والقدرات لكي يؤمن هو بها وأن لا يحرج الكفيف من إستخدام بعض الإتاحات المتاحة له مثل العصى البيضاء ولا يعتبرها شيء تسبب له الإساءة أو الحرج ولا يهتم كثيرا مما يقال عليه لو إستخدم هذه الإتاحات أو نظرة الآخرين له بها.


إلى أي مدى هم متوافقين مع حياتهم؟
في الحقيقة ليس الكثير من المكفوفين متوافقين مع حياتهم بسبب ما ذكر سلفا في الجزء الأول وهو إما التربية الأسرية الخاطءة أو النظرة المجتمعية أو حرج الكفيف نفسه وخجله مما هو فيه والواقع لو إستطاع الكفيف أن يحطم الشرنقة التي يحبس نفسه فيها بشكل كامل سيستطيع أن يكون شخص متوافق مع نفسه ومع الآخرين وبشكل واضح وملموس.

ما هي إمكاناتهم وقدراتهم وكيف يمكن إستغلالها؟

إمكانات المكفوفين وقدراتهم كثيرة ومتعددة ولكن تحتاج لمن يكشفها لهم أو أن الكفيف نفسه هو من يكتشفها عن طريق أن يرى موهبة ما فيه أو هواية وينميها أو مجال يحبه ويقوي نفسه فيه.

أما عن كيف نستغل هذه الإمكانات والقدرات الموجودة في الكفيف فذلك عن طريق الدمج المجتمعي الكامل والتمكين الإجتماعي والإتاحة والإهتمام بالموهوبين وعدم النظرة للكفيف بنظرة عنصرية أو مليئة بالتمييز أو حتى نظرة الشفقة والعطف أو الإستحقار وإعتبار الكفيف شخص عادي ولا ينتقص كف البصر منه شيء ومعاملته بشكل لا يقل عن معاملة غيره من المبصرين سنجد أنفسنا أمام طاقات جبارة قادرة على التفاعل المجتمعي والإنخراط في الكيان الإجتماعي وقد نرى منهم أناس كثيرة على قدر التحدي والإنجاز بشكل عملي وواضح وملموس.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عامان على وفاة ست الحبايب:

تحية لمن تكافحن في صمت:

معلومات خاطئة عن طريقة برايل: