ما بين الأنطوائية والعزلة الكاملة عن المجتمع:



        ما بين الأنطوائية والعزلة الكاملة عن المجتمع:
حينما نحاول أن نلقي نظرة عن واقع مجتمع أو دائرة فئة المكفوفين في مجتمعنا فإما أنك تجد فئة تستطيع أن تتعايش مع المجتمع أو على الأقل تستطيع أن تنتشر في بيئتها بشكل جيد أو تجد فئة أخرى تعيش في حالة أنطوائية تصل لحد الإنعزال أو على الأكثر لا تستطيع هذه الفئة أن تتعايش إجتماعيا سوى مع أقرانها من المكفوفين وتحديدا حتى أكون دقيقا الفئة الثانية هي الفئة التي درست داخل مدارس النور للمكفوفين والتي تعيش داخل سجن تعليمي داخلي طوال مراحل التعليم ما قبل الجامعي وعلى الرغم من أن هذه الفئة هي الفئة التي تحصل على تعليم جيد ولكن على المستوى الإجتماعي مثلا فنجد أن هذه الفئة على الإطار الإجتماعي تعتبر غير قادرة على التعايش أو على الأقل الإندماج السليم داخل المجتمع بطوائفه المختلفة أو حتى محاولة بناء علاقات إجتماعية سليمة مع الآخرين من خارج نطاق المكفوفين أنفسهم بمعنى تكوين علاقات إجتماعية وصداقات مع مبصرين آخرين من أقرانهم أو حتى الوثوق فيهم بشكل ما بما يضمن تواصل مع المجتمع بشكل صحيح.
ويرجع هذا لفكر التعليم في مدارس النور من الأساس فتعتبر مدارس النور ومن ما لا شك فيه سجن دراسي يحصر المكفوفين داخل هذا المجتمع بدون أية محاولة لخلطهم أو لدمجهم في المجتمع التعليمي الكامل وعلى صعيد موازي فإن مدة الدراسة في هذه المدارس يجعل الموضوع يزداد تعقيدا أكثر فأكثر مع عدم أية محاولة لتقريب أو دمج أو حتى توسيع الدائرة المنغلقة كثيرا فالتلميذ الكفيف مثلا من بعد دخوله للمدرسة في سن الست سنوات والذي يقيم في المدرسة لا يقيم مع أسرته غير يوم ونصف وهما منتصف يوم الخميس ويوم الجمعة وفي صباح السبت يذهب للمدرسة إلى نفس هذا الموعد من الأسبوع القادم وكأنه سجين يقضي عقوبة مدتها 11 عاما لا يتمتع فيها بحرية سوى في يوم ونصف إسبوعيا وإجازة نصف العام وآخر العام فقط بمعدل يقارب ثماني شهور في السنة في المدرسة وأربعة شهور خارجها في العام الواحد.
وعلى صعيد متتابع فقد نجد أن تلك الدائرة المنغلقة على المكفوفين والمكفوفين أنفسهم فقط تزداد مع طريقة الحركة التي يعتادون عليها من قبل المدرسين أثناء الذهاب للفصول أو الحركة في الرحلات فيطلبون  من التلاميذ أن يقوموا بالتشابك مع بعض على هيئة قطار وذلك عن طريق وضع الأيدي على أكتف التلميذ الذي أمامه ويقوم المعلم بمسك التلميذ الذي في البداية من يده أو يكون جرار القطار من التلاميذ متمتعا ببقايا إبصار حتى يستطيع أن يكون سائقا وجرار ماهر لهذا القطار فلا يعبأ المدرسين بأن يعلموا هؤولاء التلاميذ كيف يتحركون بمفردهم ويتركونهم في غياهب التخبط فيما يحيطون بهم أو أنهم يسعون لأيجاد حلول أخرى للحركة والتنقل في إطار تلك البيئة المصغرة المسماة بالمدرسة سواء عن طريق وضع يدهم على الحوائط لتكون تلك الحوائط بديلا عن هذا الجرار للقطار الذي يقودهم لبر الأمان هذا على سبيل المثال فقط.
وعلى مدار الوقت يصبح هذا الجرار للقطار يتحول لفكرة شخص قائد أو المسؤول عن الترتيب والإعداد لما يريدون فعله وإن إختلف الشخص فيما هو متعارف عليه بمعنى أن يتحول هذا الفكر لمنطق آخر وهو أنه لا يمكن القيام بفعل ما إلا إذا إستشرت شخص أو آخر يلتف حوليه بعض الأشخاص بمنطق التبعية المعروف فنجد أنفسنا هنا أمام نفس تلك الدائرة المنغلقة والمنعزلة ويتسبب ذلك أيضا في إنحصار دائرة الموثوق فيهم لقلة قليلة جدا سواء كان المعلم أو الأقرباء المقربون جدا فيظل هذا الفكر وتلك الطريقة هي المسيطرة على البعد الإنساني أو حتى الإجتماعي والنفسي منها.
على العموم هذا على الجانب الإجتماعي بشكل سريع وأما على الجانب النفسي مثلا.
هنا يصبح الشخص الكفيف فاقد لكم كبير من القدرة على إتخاذ قراراته بمفرده أو تصل لحد من درجات المكابرة والتي يرى نفسه فيها أنه صح على طول الطريق وأيضا كم من الإطرابات النفسية والإنفعالية التي تمثل له حواجز كبيرة في بعض المواقف التي تحتاج لهدوء نسبي ما لكي يكون القرار مناسب ولا يقبل أي تصحيح من الآخرين لمواقفه أو حتى المساعدة من الآخر له في بعض الأمور التي لا يفترض فيها أية عناد ومكابرة والتي إذا تدخل فيها العناد والمكابرة يصبح هنا متسبب في إما بمواقف محرجة أو مواقف تضر جسديا ونفسيا على حد سواء فما الداعي إذن لتلك الأمور والتي لا أحمل فيها الكفيف أية مسؤولية بل أحملها بالطبع لتلك الطريقة في التعامل بطريقة السجن الذي كان مفروض عليه وأصبح هو واقعه في الحياة وكأنه لا يريد قص تلك الشرنقة التي غلف بها نفسه ويريد البقاء فيها للأبد.
ومن يريد أن يتعايش مع الآخرين ويحاول أن يكون موجودا في واقع عام بمختلف الأفكار والطرق يكون منفورا أو على الأقل تتم محاولة تشويه متعمدة نظرا لوجود فكر سائد وهو أنك هكذا أصبحت لست معنا وبمنطق إذا لم تكن معي فأنت ضدي على طول الخط وكأنه عدو لهم أو ما يعتقد هنا أنك أصبحت مخالف لتلك القوانين ويرجع هذا من بدايته لفكرة القطار السابقة فحينما ينشق أحد التلاميذ عن هذا القطار يقوم المعلم بتوبيخه حتى يكن متواجدا فيه ولو كان كارها في نفسه لهذا القطار الذي يراه ليس له داع من الأساس ويعتقد ايضا أنك هنا تحاول أن تكون على طريق آخر غير الذي إعتدنا عليه جميعا وأنت تريد أن تكون منشق على ما إعتدنا عليه أو كان موجودا فينا وزرع للأسف بداخلنا ويظل هذا طول الحياة مع إختلاف الأجيال وإختلاف الأزمنة والأوقات ورؤية المجتمع التي تتغير بشكل ملحوظ.
وفي النهاية يتبقى لي سؤال واحد فقط.
هل يأتي اليوم الذي نرى فيه المكفوفين مندمجين إجتماعيا وتعليميا؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عامان على وفاة ست الحبايب:

تحية لمن تكافحن في صمت:

معلومات خاطئة عن طريقة برايل: