في وداع الكتابة بطريقة برايل:

أكتب آخر سطوري بطريقة برايل التي رافقتني خلال 21 عاما من حياتي على مدار مراحلي التعليمية وحتى ما بعد التعليم كانت طريقة برايل هي الوسيلة الوحيدة المتاحة لي للتعلم وللتعبير عن ما بداخلي هي التي أكن لها بالكثير من التقدير لأنها كانت هي الضمانة الوحيدة للتعبير بها وتعلمت من خلالها ونجحت بل وكانت هي التي لها الفضل الكبير في تفوقي دراسيا.

أودع اليوم الكتابة بطريقة برايل وكم أفتخر بأني واحد من ملايين المكفوفين الذين أسهمت طريقة برايل في تغيير حياتهم من المكفوفين حقا أدين للمبدع الفرنسي لويس برايل بالعرفان والتقدير بأنه استطاع أن يغير حياة ملايين المكفوفين حول العالم ولست أنا فقط أعتز بأني تعلمت الكتابة بطريقة برايل وكم هي سعادتي حينما تلامس أنامل أصابعي الأحرف والكلمات المكتوبة بها كم كنت أحس بأني لي شخصية مستقلة حينما أجلس وأبدأ بالثقب على الأوراق لتشكيل حرفا ثم كلمة فجملة ليس هنالك أجمل من أني أستطيع التعبير عن ما بداخلي بكتابة مخصصة لي مثل ما للآخرين طريقتهم الخاصة في الكتابة وإن كان كل هذا فأقل ما يوصف به لويس برايل أنه مبدع وإستطاع تغيير حياة المكفوفين حول العالم يكفي أنه أتاح للمكفوفين فرصة التعلم أسوة بالآخرين من خلال طريقته التي ابتكرها لتمكين جموع المكفوفين من التعليم ومنحنا فرصة متكافئة جدا مع أقراننا نستطيع أن نكتب ونقرأ.

أعترف بأنني لم ولن أتخلى بشكل كامل عن طريقة برايل لما تحمله بداخلي من معاني الكلمات لا تكفي في توضيحها ولكن كل شيء في حياتنا يتطور ولأن طريقة برايل أصبح لها بديل أكثر فاعلية وأسهل وأسرع وأقل تكلفة ألا وهي التكنولوجيا الحديثة وتحديدا برامج قراءة الشاشة ومع قلة المتاح من الكتب والمجلات وغيرها مطبوع بطريقة برايل ومع إرتفاع تكلفة الطباعة بطريقة برايل فالتكنولوجيا هي البديل الحقيقي والأكثر سهولة والأسرع إنتشارا فكان لزاما أن أتخلى عن الكتابة بطريقة برايل بل وهناك سبب أقوى من هذا كله وهو أن التكنولوجيا الحديثة جعلتني قادر على الكتابة والقراءة مثل أقراني المبصرين بمعنى آخر أستطيع أن أقرأ ما يكتبه المبصرين ويستطيع المبصرون قراءة ما أكتبه أنا لأن التكنولوجيا الحديثة مكنت لي نقطة اتصال مع المبصرين واتصال المبصرين معي لأن معظم المبصرين لا يجيدون طريقة برايل والعكس حتى وقت قريب وإن كنت تعلمت الكتابة الخاصة بالمبصرين فكانت تواجهني إشكالية وهي كيف سأقرأ ما يكتبون إلا إذا كانت كتابتهم هذه محفورة أو منقوشة حتى أتلمسها بأنامل أصابعي.

كم كنت أحلم بأن يستطيع أحد من إخوتي مثلا أن يقرأ ما أكتبه أو أقرأ بنفسي ما يكتبونه ولكن الآن التكنولوجيا الحديثة وفرت لنا هذا على حد سواء ولو على الأقل بشكل إلكتروني بحت ومن خلال مواقع التواصل الإجتماعي على وجه التحديد.

كم كنت أتمنى أن أقرأ كتب عديدة في كافة المجالات وكان ندرة الطباعة برايل هو المانع الحقيقي من أن يتاح لي حقي في المعرفة إلا في حدود الإمكانات المتاحة والمسموح بطباعته برايل وفق هذه الإمكانات ولكن التكنولوجيا والإلكترونيات الحديثة جعلت هذا ممكنا بشكل أكبر وأوسع وأكثر غزارة وبأقل حجم فلكم أن تتخيلوا إذا كان كتاب عدد أوراقه 100 صفحة مثلا يصبح بعد كتابته برايل 300 تقريبا ناهينا عن أن الطباعة برايل من السهل أن تمحى لأتفه الأسباب.

سأكتفي فقط بالقراءة بطريقة برايل إن أتيح لي هذا في الحقيقة ولا أخفيكم سرا مكتبتي بطريقة برايل لا تحوي سوى 4 كتب فقط أما مكتبتي الإلكترونية من الكتب تحوي تقريبا 15000 كتاب منها على الأقل 2000 كتاب بلغات أخرى غير العربية لم أكن أحلم يوما ما أني أقرأ هذا الكم الهائل لو ظللت أنتظر أن يكون هناك مطبوعات بطريقة برايل أو أن يكون لدي مكتبة بهذا العدد الهائل من الكتب.

في النهاية كل الشكر لطريقة برايل رفيقة دربي على مدار 21 عام مضت وأدين بالكثير للفرنسي لويس برايل وأكرر التكنولوجيا والتقنيات الحديثة هي الضمانة الوحيدة لتمكين ذوي الإعاقة في كافة نواحي الحياة.

هذه هي آخر السطور التي كتبتها بطريقة برايل وقمت بإعادة كتابتها نصا إلكترونيا حتى يقرأها الآخرين مثلما أقرأ كتاباتهم